فصل: فصل في وَصْف المؤمنِ التَّقِي لِلإِمَامِ عَلَيَّ رَضِيَ الله عَنْه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في وَصْف المؤمنِ التَّقِي لِلإِمَامِ عَلَيَّ رَضِيَ الله عَنْه:

الْمُتَّقُونَ هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمْ الصَّوَابُ وَمَلْبَسُهُمْ الاقْتِصَادُ وَمَشْيُهُمْ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَوَقَّفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نَزَلَتْ أَنْفُسهم مِنْهُمْ في البَلاءِ كَمَا نَزَلَتْ في الرَّخَاءِ وَلَوْلا الأَجَلُ الذي كَتَبَ اللهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقًا إِلى الثَّوَابِ وَخَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ.
عَظُمَ الْخَالِقَ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ في أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنْعِمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُون قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورَهُمْ مَأْمُونَةٌ وَأَجْسَادُهُمْ نَحِفَةٌ وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّامًا قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةٌ طَوِيلَةٌ وَتِجَارَةٌ مُرِيحَةٌ يَسّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ.
لَعَمْرِي مَا مَالُ الفَتَى بِذَخِيرَةً ** وَلَكِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ الذَّخَائِر

آخر:
وَمَا رَفَعَ النَّفْسَ الْحَقِيرَةَ كَالتَّقُىَ ** وَلا وَضَعَ النَّفْسَ النَّفِيسَة كَالْكُفْر

أَرَادَتْهُمْ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَأَسَرتْهُمْ فَفَدُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِين لأَجْزَاءِ القُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلاً يُحْزِنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَائِهِمْ.
فَإِذَا مَرُّوا بِآيةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعًا وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقًا وَظَنُّوا أَنَّهَا نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَئِيرَ جَهَنَّم وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِم فَهُم حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهم مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِم وَأَكُفِّهِم وَرُكَبِهِم وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِم يَطْلُبُونَ إِلى اللهِ تَعَالى في فَكَاكِ رِقَابِهم وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارُ أَتْقِيَاءُ.
قَدْ بَرَاهم الْخَوفٌ بَرْيَ القِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَمَا بالقَوْمِ مِن مَرَضٍ وَيَقُولُ قَدْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَهُم أَمْرٌ عَظِيمٌ؟ لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهم القَلِيلَ وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الكَثِيرَ فَهُمْ لأَنْفُسِهِم مُتَّهَمُونَ وَمِن أَعْمَالِهِم مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِيَ أَحَدُهُم خَافَ مِمَّا يُقَالُ فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِي أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ.
فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِم أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً في دِينٍ وَحَزْمًا في لِيْنٍ وَإِيمَانًا فِي يَقِينٍ وَحَرْصًا في عِلْمٍ، وَعِلْمًا في حِلْمٍ وَقَصْدًا في غِنَى وَخُشُوعًا في عِبَادَةٍ وَتَحَمُّلاً في فَاقَةٍ وَصَبْرًا في شِدَّةٍ وَطَلبًا في حَلالٍ وَنَشَاطًا في هُدَى وَتَحَرُّجًا عن طَمَعٍ.
وَإِذا بَحَثتُ عَنِ التَقِيِّ وَجَدتُهُ ** رَجُلاً يُصَدِّقُ قَولَهُ بِفِعالِه

وَإِذا اِتَّقى اللَهَ اِمرُؤٌ وَأَطاعَهُ ** فَيَدَاهُ بَينَ مَكارِمٍ وَمَعالِي

وَعَلى التَقِيِّ إِذا تَرَسَّخَ في التُقى ** تاجانِ تاجُ سَكينَةٍ وَجَمَالِ

وَإِذَا تَنَاسَبَتِ الرِّجَالُ فَمَا أَرَى ** نَسَبًا يَكُونُ كََصَالِحِ الأَعْمَال

آخر:
تَجَمَّل بالتَّقَى إِنْ رُمْتَ عِزًا ** فَتَقْوَى اللهِ أَشْرَفُ ما اقْتَنَيْتَا

وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ ** لِتَسْعَدَ في الْمَعَادٍ إِذَا أَتَيْتَا

آخر:
تَزَوَّدْ وَمَا زَادَ اللَّبِيبِ سَوَى التَّقْوَى ** عَسَاكَ عَلَى الْهَوْلِ العَظِيم بِهَا تَقْوَى

فَمَنْ لَمْ يُعَمِّرْ بالتُّقَى جَدَثًا لَهُ ** فَمَنْزِلُهُ فِي خُلْدِهِ مَنْزِلٌ أَوْهَى

آخر:
وَمَا لِبَسَ الإنْسَانُ أَبْهَى مِنْ التُّقَى ** وَإِنْ هُوَ غَالَى فِي حِسَانِ الْمَلابِس

آخر:
يَقُولُونَ لي هَلْ للمكَارِمِ وَالعَلى ** قِوَامٌ فَفِيهِ لَوْ عَلِمْتَ دَوَامُهَا

فَقُلْتُ لَهُمْ وَالصَّدْقُ خُلْقٌ أَلِفْتُهُ ** عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ فَهِيَ قَوَامُهَا

فصل:
التَّقَيُّ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةِ وَهُوَ عَلَى وَجْلٍ يُمْسِي وَهْمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِرًا وَيُصْبِحُ فَرِحًا، حَذِرًا لِمَا حَذِرَ مِن الغَفْلَةِ وَفَرِحًا بِمَا أَصَابَ مِنْ الفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، إِنْ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ، لَمْ يُعْطِهَا سُؤلَهَا فِيمَا تُحِبُّ.
قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لا يَزُولُ، وَزَهَادَتُه فِيمَا لا يَبْقَى، يَمْزِجُ الْحِلْم بالعِلْم، وَالقَولَ بالعَمَلَ، تَرَاهُ قَرِيبًا أَمَلُهُ، قَلِيلاً زَلَلُهُ، خَاشِعًا قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُه، مَنْزُورًا أَكْلُهُ سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِيزًا دِينُهُ، مَيَّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُومًا غَيْظُهُ، الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَالشَّرُ مِنْهُ مَأْمُونٌ.
إِنْ كَانَ فِي الغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِي مِنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، بَعِيدًا فُحْشَهُ، لِينًا قَوْلُهُ، غَائِبًا مُنْكَرُهُ، حَاضِرًا مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِرًا شَرُّهُ، في الزَّلازِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ.
لا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ، يَعْتَرِفُ بالْحَقِّ قََبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ، لا يُضَيّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلا يَنْسَى مَا ذُكِرَ، وَلا يُنَابِزْ بِالأَلْقَابِ، وَلا يُضَارَّ بِالْجَارِ، وَلا يَشْمُتُ بِالْمُصَابِ، وَلا يَدْخُلُ في البَاطِلِ، وَلا يَخْرُجُ مِنْ الْحَقِّ.
إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمُّه صَمْتُهُ، وَإِنْ ضَحَكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللهُ هَوْ الذي يَنْتَقِمُ لَهُ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآخِرَتِهِ وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ.
لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُرَاقِبُ رَبَّهُ ** عِنْدَ الْهَوَى وَيُحَاذِرُ النِّسْيَانَا

إِنَّ الذِي يَبْغِي الْهَوَى وَيُريدُهُ ** كَمُواخِي شَيْطَانُهُ شَيْطَانَا

حَجَبَ التُّقَى بَابَ الْهَوَى فَأَخ التُّقَى ** عَفُّ الْخَلِيقَةِ زَائِدٌ إِيْمَانَا

آخر:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ أَسْنَى الفَضَائِل ** تُعَدُ مِنْ القَومَ الكِرَام الأَمَاثِلِ

فَمَا الْمَرءُ إلا بالتُّقَى يَرْتَقِي إِلى ** سَنَامِ الْمَعَالِي فِي مَقَامِ الأَفَاضِل

آخر:
الْعِلْمُ وَالتَّقْوَى وَطَاعَة رَبّنَا ** تَكْسُ الرِّجَال مَهَابَةً وَجَلالا

وَهيَ الطَّرِيقُ لِمَنْ أَرَادَ السَّلامَة ** وَهِيَ السَّلاحُ لِمَنْ أَرَادَ جِدَالا

بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ وَنَزَاهَةً، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُه بِكبْرٍ وَعَظَمَةٍ، وَلا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ.
قَالَ: فَصَعَقَ هَمَّامُ صَعْقَةً كَانْتَ نَفْسُهُ فِيهَا. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَمَّا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَصْنَهُ الْمَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ لِكِلِّ أَجَلٍ وَقْتًا لا يَعْدُوهُ وَسَبَبًا لا يَتَجَاوَزُه. اهـ.
عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ لا تَتْرُكُونَهَا ** فَإِنَّ التُّقَى أَقْوَى وَأَوْلَى وَأَعْدَلُ

لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الْمَلابس كُلِّهَا ** وَأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وَأَجْمَلُ

فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وَأَهْدَى سَبِيلَها ** بِهَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ

فَيَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ بادِر إلى التُّقَى ** وَسَارِعْ إلى الْخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهَلُ

وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا ** بِدَارِ الْجَزَاء دَارٍ بِهَا سَوْفَ تَنْزِلُ

وَقَدِّمْ لِمَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا ** غَدًا سَوْفَ تُجْزَى بالذِي سَوْفَ تَفْعَلُ

وَأَحْسِنْ وَلا تُهْمِلْ إِذَا كُنْتُ قَادِرًا ** فَأَنْتَ عَنْ الدُّنْيَا قَرِيبًا سَتَرْحَلُ

وَأَدِّ فُرُوضَ الدِّينِ وَأتْقِنْ أَدَاءَهَا ** كَوَامِلَ في أَوْقَاتِهَا وَالتَّنفل

وَسَارِعْ إِلى الْخَيْرَاتِ لا تَهْمِلنَّهَا ** فَإِنَّكَ إِنْ أَهْمَلْتَ مَا أَنْتَ مُهْمَلُ

وَلَكِنْ سَتُجْزَى بالذي أَنْتَ عَامِلٌ ** وَعَنْ مَا مَضَى عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَتُسْأَلُ

وَلا تُلْهِكَ الدُّنْيَا فَرَبُّكَ ظَامِنٌ ** لِرِزْقِ البَرَايَا ظَامِنٌ مُتَكَفِلُ

وَدُنْيَاكَ فَاعْبُرْهَا وَأخْرَاكَ زِدْ لَهَا ** عَمَارًا وَإِيثَارًا إِذَا كُنْتَ تَعْقِلُ

فَمَنْ آثرَ الدُّنْيَا جَهُولٌ وَمَنْ يَبِعْ ** لأُخْرَاهُ بِالدُّنْيَا أَضَلُّ وَأَجْهَلُ

وَلَذَّاتُهَا وَالْجَاهُ وَالعِزُ وَالغِنَى ** بَأَضْدَادِهَا عَمَّا قَلِيلٍ تَبَدَّلُ

فمَنْ عَاشَ في الدُّنْيَا وَأَطَالَ عُمْرُهُ ** فَلا بُدَّ عَنْهَا رَاغِمًا سَوْفَ يُنْقَلُ

وَيَنْزِلُ دَارًا لا أَنِيسَ لَهُ بِهَا ** لِكُلِ الوَرَى مِنْهُمْ مَعَادٌ وَمَوْئِلُ

وَيَبْقَى رَهِينًا بالترابِ بِمَا جَنَى ** إلى بَعْثِهِ مِنْ أَرْضِهِ حِينَ يَنْسِلُ

يُهَالُ بَأَهْوَالٍ يَشِيبُ بِبِعْضِهَا ** وَلا هَوْلَ إلا بَعْدَهُ الْهَوْلَ أَهْوَلُ

وَفِي البَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَشْرُ صَحَائِفِ ** وَمِيزَانُ قِسْطٍ طَائِشٍ أَوْ مُثَقَّلُ

وَحَشْرٌ يَشِيبٌ الطفْلُ مِنْهُ لِهَوْلِهِ ** وَمِنْهُ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتُ تَزَلْزَلُ

وَنَارٌ تَلَظَّى في لَظَاهَا سَلاسِلٌ ** يُغَلُّ بِهَا الفُجَارُ ثُمَّ يُسَلْسَلُ

شَرَابُ ذَوِي الإِجْرَامِ فِيهَا حَمِيمُهَا ** وَزقُومُهَا مَطْعُومُهُمْ حَيْنَ يُؤَكَلُ

حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِثْلُهُ ** مِنْ الْمُهْلِ يَغْلِي في البُطُونِ وَيَشْعَلُ

يَزِيدُ هَوْانًا مِنْ هَوَاهَا وَلا يَزَلْ ** إِلى قَعْرِهَا يَهْوِي دَوَامًا وَيَنْزِلُ

وَفِي نَارِهِ يَبْقَى دَوَامًا مُعَذَّبًا ** يَصِيحُ ثُبُورًا وَيْحَهُ يَتَوَلْوَلُ

عَلَيْهَا صِرَاطٌ مَدْحَضٌ وَمَزَلَّةٌ ** عَلَيْهِ البَرَايَا فِي القِيَامَةِ تُحْمَلُ

وَفِيهِ كَلالِيبٌ تَعَلَّقُ بالوَرَى ** فَهَذَا نَجَا مِنْهَا وَهَذَا مُخْرَدَلُ

فَلا مُذِيبٌ يَفْدِيهِ مَا يَفْتَدِي بِهِ ** وَإِنْ يَعْتَذِرْ يَوْمًا فَلا الْعُذْرُ يُقْبَلُ

فَهَذَا جَزَاءُ الْمُجْرِمِينَ عَلَى الرَّدَى ** وَهَذَا الذِي يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْصُلُ

أَعُوذُ بِرَبِّي مِن لَظَى وَعَذَابِهَا ** وَمِنْ حَالِ مَنْ يَهْوي بِهَا يَتَجَلْجَلُ

وَمَنِ حَالِ مَنْ فِي زَمْهَرِيرٍ مُعَذَّبٍ ** وَمِن كَانَ في الأَغْلالِ فِيهَا مُكَبَّلُ

وَجَنَّاتُ عَدْنٍ زُخْرِفَتْ ثُمَّ أُزْلِفَتْ ** لِقَوْمٍ عَلَى التَّقْوَى دَوَامًا تَبَتَّلُ

بِهَا كُلُّ مَا تَهْوَى النُّفُوسُ وَتَشْتَهِي ** وَقُرَّةُ عَيْنٍ لَيْسَ عَنْهَا تَرَحَّلُ

مَلابِسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَسُنْدُسٌ ** وَإِسْتَبْرَقٌ لا يَعْتَرِيهِ التَّحَلُّلُ

وَمَأْكُولُهم مِنْ كُلِّ مَا يَشْتَهُونَهُ ** وَمِنْ سَلْسَبِيلٍ شُرْبُهُم يَتَسَلْسَلُ

وَأَزْوَاجُهُم حُورٌ حِسَانٌ كَوَاعِبٌ ** عَلَى مِثْلِ شَكْلِ الشَّمْسِ بَلْ هُوَ أَشْكَلُ

يُطَافُ عَلَيْهِم بِالذِي يَشْتَهُونَهُ ** إِذَا أَكَلُوا نَوْعًا بآخَرَ بُدِّلُوا

فَوَاكِهُهَا تَدْنُوا إلى مَنْ يُريدُهَا ** وَسُكَّانِهَا مَهْمَا تَمَنُّوهُ يَحْصُلُ

وَأَنْهَارِهَا الأَلْبَانِ تَجْرِي وَأَعْسَلٌ ** تَنَاوُلُهَا عِنْدَ الإِرَادَةِ يَسْهُلُ

بِهَا كُلَّ أَنْوَاعِ الفَوَاكِهِ كُلَّهَا ** وَخَمْرٌ وَمَاءٌ سَلْسَبِيلٌ مُعَسَّلُ

يُقَالُ لَهُمْ طِبْتُمْ سَلِمْتُمْ مِن الأَذَى ** سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِالسَّلامَةِ فَادْخُلُوا

بَأَسْبَابِ تَقْوَى اللهِ والعَمَلِ الذِي ** يُحِبُّ إلى جَنَّاتِ عَدْنٍ تَوَصَّلُوا

إِذَا كَانَ هَذَا وَالذِي قَبْلَهُ الْجَزَاء ** فَحَقٌّ عَلَى العَيْنَيْنِ بِالدَّمْعِ تُهْمِلُ

وَحَقٌّ عَلَى مَنْ كَانَ بِاللهِ مُؤْمِنًا ** يُقَدِّمْ لَهُ خَيْرًا وَلا يَتَعَلَّلُ

وَأَنْ يَأْخُذَ الإِنْسَانُ زَادًا التُّقَى ** وَلا يَسْأَمِ التَّقْوَى وَلا يَتَمَلْمَلُ

وَإِنَّ أَمَامَ النَّاسِ حَشْرٌ وَمَوْقِفٌ ** وَيَوْمٌ طَوِيلٌ أَلْفُ عَامٍ وَأَطْوَلُ

يَا لَكَ من يَوْمٍ عَلَى كُلَّ مُبْطِلٍ ** فَضِيعٍ وَأَهْوَالُ القِيَامَةِ تُعْضِلُ

تَكُونُ به الأَطْوَادُ كَالعِهْنِ أَوْ تَكُنْ ** كَثِيبًا مَهِيلاً أَهْيلاً يَتَهَلْهَلُ

بِهِ مِلَّةُ الإِسْلامِ تُقْبَلُ وَحْدَهَا ** وَلا غَيْرَهَا مِنْ أَي فَيَبْطُلُ

بِهِ يَسْأَلُونَ النَّاسُ مَاذَا عَبَدْتُمُوا ** وَمَاذَا أَجَبْتُم مَن دَعَا وَهُوَ مُرْسَلُ

حِسَابُ الذي يَنْقَادُ عَرْضٌ مُخَفَّفٌ ** وَمَن لَيْسَ مُنْقَادًا حِسَابٌ مُثَقَّلُ

وَمِنْ قَبْلِ ذَاكَ الْمَوْتُ يَأْتِيكَ بَغْتَةً ** وَهَيْهَاتَ لا تَدْرِي مَتَى الْمَوْتُ يَنْزِلُ

كُؤُسُ الْمَنَايَا سَوْفَ يَشْرَبُهَا الوَرَى ** عَلَى الرَّغْمِ شُبَّانٌ وَشِيبٌ وَأَكْهُلُ

حَنَانَيْكَ بَادِرْهَا بِخَيْرٍ فَإِنَّمَا ** عَلَى الآلةِ الْحَدْبَا سَرِيعًا سَتُحْمَلُ

إِذَا كُنْتَ قَدْ أَيْقَنْتَ بِالْمَوْتِ وَالْفَنَا ** وَبِالْبَعْثِ عَمَّا بَعْدَهُ تَغْفُلُ

أَيَصْلُحُ إِيمَانُ الْمَعَادِ لِمُنْصِفٍ ** وَيَنْسَى مَقَامَ الْحَشْرِ مَنْ كَانَ يَعْقِلُ

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنْ التُّقَى ** ابن لِي ابن يَوْمَ الْجَزَا كَيْفَ تَفْعَلُ

أَتَرْضَى بأَنْ تَأْتِي القِيَامَةَ مُفْلِسًا ** عَلَى ظَهْرِكَ الأَوْزَارُ بِالْحَشْرِ تَجْمِلُ

إِلَهِي لَكَ الفَضْلُ الذي عَمَّمَ الوَرَى ** وَجُودٌ عَلَى كُلِ الْخَلِقْيَةِ مُسْبَلُ

وَغَيْرُكَ لَوْ يَمْلِكْ خَزَائِنَكَ التِي ** تَزِيدُ مَعَ الإِنْفَاقِ لابد يَبْخَلُ

وَإِنِّي بِكَ اللَّهُمَّ رَبِّي لَوَاثِقٌ ** وَمَا لِي بِبَابٍ غَيْرِ بَابِكَ مَدْخَلُ

وَإِنِّي اللَّهُمَّ لَكَ بِالدِّينِ مُخْلِصًا ** وَهَمِّي وَحَاجَاتِي بِجُودِكَ أُنْزِلُ

أُعوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِن سُوءِ صُنْعِنَا ** وَأَسْأَلُكَ التَّثْبِيتَ أُخْرَى وَأَوَّلُ

إِلَهِي فَثَبِّتْنِي عَلَى دِينكَ الذِي ** رَضِيتَ بِهِ دِينًا وَإِيَّاهُ تَقْبَلُ

وَهَبْ لِي مِنْ الفِرْدَوْسِ قَصْرًا مُشَيَّدًا ** وَمُنَّ بِخَيْرَاتٍ بِهَا أَتَعَجَّلُ

وَللهِ حَمْدٌ دَائِمٌ بِدَاوَمِهِ ** مَدَى الدَّهْرِ لا يَفْنَى وَلا الْحَمْدُ يَكْمُلُ

يَزِيدُ على وَزْنِ الْخَلائِقِ كُلِّهَا ** وَأَرْجَحُ مِن وَزْنِ الْجَمِيعِ وَأَثْقَلُ

وَإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ في الْحَمْدِ أَبْتَدِي ** وَأَنْهِي بِحَمْدِ اللهِ قَوْلِي وَأَبْتَدِي

صَلاةً وَتَسْلِيمًا وَأَزْكَى تَحِيَّةً ** تَعُمُّ جَمِيعَ الْمُرْسِلِينَ وَتَشْمَلُ

وَأَزْكَى صَلاة اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ ** عَلَى الْمُصْطَفَى أَزْكَى البَرِيَّةِ تَنْزِلُ

آخر:
مَطَالبُ النَّاسِ في دُنْيَاكَ أَجْنَاسُ ** فَاقْصُدْ فَلا مَطْلَبٌ يَبْقَى وَلا نَاسُ

وَارْضَى القَنَاعَةَ مَالاً وَالتُّقَى حَسَبًا ** فَمَا عَلَى ذِي تُقىً مِنْ دَهْرِه بَاسُ

وَإِنْ عَلَتْكَ رُؤُوْسٌ وَازْدَرَتْكَ فِفِي ** بِطْنِ الثَّرَى يَتَسَاوَى الرِّجْلُ وَالرَّاسُ

آخر:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ واقْتَنَعْ بِرِزْقِهِ ** فَخَيْرُ عِبَادِ اللهِ مِنْ هُوَ قَانِعُ

وَلا تُلْهِكَ الدُّنْيَا وَلا طَمَعٌ لَهَا ** فَقَدْ يُهْلِكُ الْمُغْرُورَ فِيهَا الْمَطَامِعُ

وَصَبْرًا عَلَى نَوْبَاتِ مَا نَابَ وَاعْتَرِفُ ** فَمَا يَسْتَوِي حُرٌ صَبُورٌ وَجَازِعُ

أَعَاذلُ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الفَتَى ** إِذَا حَشْرَجَتْ بِالنَّفْسِ مِنْهُ الأَضَالعَ

آخر:
للهِ قَوْمٌ أَطَاعُوا اللهِ خَالِقَهُمْ ** فَآمَنُوا وَاسْتَقَامُوا مِثْلَ مَا أَمُرُوا

وَالوَجْدُ وَالشَّوقُ وَالأَفْكَارُ قُوتُهُمُوا ** وَلازَمُوا الْجِدَّ وَالإِدْلاجَ في البُكَرِ

وَبَادِرُوا لِرِضَا مَوْلاهُمُوا وَسَعَوْا ** قَصْدَ السَّبِيل إِليهِ سَعْيَ مُؤْثمِرِ

وَشَمَّرُوا وَاسْتَعَدُّوا وِفْقَ مَا طُلِبُوا ** وَاسْتَغْرُقُوا وَقْتَهُمْ فِي الصَّوْمِ وَالسَّهَرِ

وَجَاهَدُوا وَانْتَهَوْا عَمَّا يُبَاعِدُهُمْ ** عَنْ بَابِهِ وَاسْتَلانُوا كُلَّ ذِي وَعَرِ

جَنَّاتُ عَدْنٍ لَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ بِهَا ** فِي مَقْعَدِ الصِّدْقِ بَيْنَ الرَّوْضِ وَالزَّهَرِ

لَهُمْ مِنَ اللهِ مَالا شَيْءَ يَعْدِلُهُ ** سَمَاعُ تَسْلِيمِهِ وَالفَوْزُ بِالنَّظَر

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا تَوْفِيقًا يَقِينًا عَنْ مَعَاصِيكَ وَأَرْشِدْنَا إِلى السَّعْيِ فِيمَا يُرْضِيكَ، وَأَجِرْنَا يَا مَوْلانَا مِنْ خِزْيكَ وَعَذَابِكَ وَهَبْ لَنَا مَا وَهَبْتَهُ لأَوْلِيَائِكَ وَأَحْبَابِكَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
قال اللهُ تَباركَ وتعالى وَتَقَدَّس: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.
قال بعض أهل العلم: في هذه الآية فوائد منها: أنَّ أصْل أَمْرِ المتَّقِين السَّلامَةُ وَإِنْ عَرِضَ طَيْفٌ بَعْضِ الأَحْيَان.
ومنها: إذَا مَسَّهم والْمَسَّ مُلامَسَة مِن غيرِ تمكُنٍ كالكفار فإن الشيطان يَتَجَرَّد عليهم ويَخْتَلس مِن قُلُوب المتَّقِينِ المؤمنين حِينَ تَنَامُ العُقُولُ الْحَارِسَةِ لِلْقُلُوب.
فإذا اسْتَيْقَظُوا انْبَعَثَ مِن قلوبهم جُيُوشُ الاسْتِغْفَار والذلَةِ إلى اللهِ تعالى والافتقار فاْسَترجَعُوا مِن الشيطان ما اختلسَهُ وأخذوا منه ما افَترِسَه.
ومنها: أَنَّهُ أشارَ بالطيف إلى أَنَّهُ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يأتي القلوبَ الدائمة الْمُسْتَيْقِظَةِ إنما يأتِي القُلُوبَ في حِينَ منامِها يَرْجُو غَفْلَتَهَا ومن لا نوم لَهُ فَلا طَيف يَردُ عليه.
ومنها: أنَّ الطَيْفِ الذي في مَنَامِكَ فإذا اسْتَيْقَظْتَ فلا وُجُودَ لَهُ.
ومنها: أَنَّهُ قال: تَذَكَّرُوا ولم يَقلْ ذَكَرُوا إِشَارَةً إِلى أَنَّ الغَفْلَةَ لا يَطْرُدُهَا الذكر مِن غَفْلَةِ القلب إِنَّمَا يَطْرُدُهَا التذكر والاعتبار لأَنَّ الذكر مَيْدَانُه اللسان والتذكر مَيْدَانُه القلب.
ومنها أنه قال: تذكروا فحذف مُتَعَلَّقِةِ ولم يَقُلْ تذكَّرُوا الجنةَ والنار والعقوبة لأن التذكر الماحي لِطَيف الْهَوى مِن قلوب المتقين على حساب مَرَاتِبِ المتقين.
وَمَرْتَبَة التَّقوى يَدْخُلُ فيها الرسُل والأنبياء والصِّديقُونَ والأولياء والصالحون والمسلمون فتقوى كل أحد على حسب مقامه.
لذلك يَذْكَرُ كُلُ واحِدٍ على حَسَب مَقَامِهِ فلو ذكر قِسْمًا مِن أَقْسَام التَّذَكْرِ لم يدخُلْ فيه إلا أَهْلُ ذَلِكَ القِسْم.
أَعْلَى الْمَمَالِكِ مَا التَّقْوَى لَهُ أُسُسٌ ** وَطَاعَةُ الله في سِرٍ وَإِعْلانِ

وَالعَدْلُ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ كُلِّهمُوا ** لا فَرْقَ بَيْنَ شَرِيفٍ مِنْهُمْ أَوْ أَنِي

ومنها: قولُه سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} كَأَنَّهُ لم يَذْكُر أَعْلَى ذَلِكَ مِنَّا مِنْه سُبْحَانَه عليهم كَأَنَّهُم لَمَّا اسْتَيْقَظُوا ذَهَبَتْ سَحَابَةُ الغَفْلَةِ فأَشْرَقَتْ شمسُ البَصِيرَةِ.
ومنها التَّوْسِيعُ عَلَى المتقين لأنه لو قال إنَّ الذِينَ اتَّقَوْا لا يَمَسُّهُم طَيْفٌ من الشيطان خَرَجَ كل أَحَدٍ إِلا أَهْل العِصْمَةِ فَأَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوَسِّعَ دَائَرَة رَحْمَتِهِ. انتهى.
ثم اعلم وفقنا اللهُ وَإِيَّاك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أَنَّ التقوى التي أَعَدَّ اللهُ الجنة لأهلها قيلَ: إِنَّهَا امْتثالُ الأوامر واجتنابُ النواهي.
وقيل: هِيَ اتقاءُ الشَّركِ فَمَا دُونَهُ مِنْ ذَنْبٍ مِنْ كُلَّ مَا نَهَى الله عنه واتقاءَ تَضْيِيعِ وَاجِبٍ مِمَّا افْتَرَضَ الله.
وهي وَصِيَّةُ لِلأوَّلين والآخِرِين، قَالَ الله جل وعلا: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}.
وقال جل وعلا: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}.
وقد روى في الحديث إن المنادي يُنَادِي يوم القيامة: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} فَتَرْفَعُ الْخَلائِقُ رؤوْسَهم يَقُولُونَ: نَحْنُ عِبَادُ الله عَزَّ وَجَلَّ.
ثم يُنَادِي الَّثانية: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} فَيُنَكِسُ الكُفَّارُ رَؤُوْسَهُمِ، وَيَبْقَى الْمُوَحِدُون رَافِعِي رُؤوسَهُم.
وَيَبْقَى أَهْلُ التَّقْوَى رَافِعِي رُؤُوْسَهُمْ قَدْ أَزَالَ عَنْهُمْ الرِّبُ الكَرِيمُ الْخَوِفَ والْحَزَنَ كَمَا وَعَدَهُمْ وَهُوَ أَصْدَقُ القائِلِينَ وَأَوْفَى الْوَاعِدِين وَأَكْرَمُ الأَكْرَمِين لا يَخْذُلُ وَلِيَّهُ ولا يُسْلِمُهُ عِنْدَ الْهَلَكَة.
لَوْ أَنَّنِي خُيّرتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ ** ما اخْتَرْتُ إِلا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ

كَُلُّ الأُمُورِ تَزُول عَنْكَ وَتَنْقَضِي ** إلا التُّقَى وَفَضَائِلُ الإيمَان

آخر:
حَقُّ التُّقَى وَإِنْ لَمْ يُدْنِهِ نَسَبٌ ** فَرَضٌ عَلى كُلِّ مَنْ لِلدِّينَ يَنْتَسِبُ